5 Juin 2017
من التيمات الثابتة في فكر المفكر المغربي المهدي المنجرة، تيمة المستقبل. لأن ربح رهان التقدم و التنمية مشروط في نظره بتبني رؤية تستشرف حركة الأحداث و تستبصر تحولاتها و اتجاهاتها المستقبلية. و كثيرا ما كان يعاتب و ينتقد المسؤولين في الدول العربية لأنهم يفتقدون إلى رؤية واضحة في السياسة الاقتصادية و التعليمية و الفكرية...
هناك عوامل كثيرة تفسر تخلف المجتمعات الإسلامية في المحيط العربي. وبعيدا عن نظرية المؤامرة، التي لها دورها، نعتقد أن أهم العوامل هو إثقال الوعي العربي-الإسلامي بصراعات و تأويلات الماضي التي انتهت بانتهاء زمانها.
فلماذا هذا الإصرار على رهن الحاضر الإسلامي و مستقبله بصراعات الماضي و خلافاته؟
في الاختلاف بين السن و الشيعة
هل بني الخلاف بين السنة و الشيعة على افتراق في الحقيقة أم افتراق في السياسة؟
يختلف المؤرخون في زمان ظهور الشيعة كفرقة استقلت إيديولوجيا داخل البنية الثقافية للدولة و المجتمع في الإسلام. و لهذا الاختلاف دلالته. اي أن هناك سياق تاريخي للنشأة، تنفصل فيه الإيديولوجيا و إرادة السلطة عن الاختلاف في الرأي. خاصة و قد اختلف المسلمون، بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم، حول الأحق بالخلافة، أعلي أم أبو بكر الصديق أم غيرهما. يتمرد علينا سؤال حقيقي، إذا كان الرسول الكريم لم يعين من يخلفه، فما المغزى من ذلك؟
يكشف امتناع الرسول الكريم عن تعيين خليفة، يقي المسلمين شر الافتراق، عن أمور أربعة:
بعد أن اجتمع الأنصار ليختاروا أميرهم، سيقضي عمر بن الخطاب، فيما تقول الروايات، لصالح أبي بكر الصديق فبايعه و بايعه البعض، في جلسة لم يكن على بن أبي طالب حاضرا....لكنه قبل برأي عمر و بايع أبا بكر. مبدأ المبايعة أمر معتاد في علاقة المسلمين بالنبي الكريم. لكن، هل كان يصلح بعده؟ أأخطأ عمر، و هو يحيد عن المبدأ الآخر المنصوص عليه في النص القرآني، مبدأ الشورى؟
الواقع يشهد أن الاختلاف بين الناس ،بعد وفاة النبي ،سيشتد إلى حد الافتراق و الاحتكام إلى العنف.
يشهد على ذلك ما آل إليه الخلفاء الثلاثة، اغتيال عمر و عثمان و خسارة علي أمام معاوية بن أبي سفيان. و تاريخ من الدم المراق لأجل السلطة و القبيلة. و في ذلك تعارض صريح مع الإسلام الذي يحرم سفك دماء المسلمين بغير حق.
و بين أن السياسة عندما تنبني على الصراع، يصبح المتنازعون حول السلطة في حل من الأخلاق. المنتصر هو الذي يتوسل بكل الوسائل ليحكم. و لعل هذا واضح في صراع علي مع معاوية.
و لا نستبعد أن يزج بالسلطة الدينية المقدسة، بأساليب الكذب و الوضع و التأويل....، لتبرير السلوك السياسي دينيا. بل إن القرآن الكريم افترقت الفرق في تأويله، لا من حيث الحقيقة و إنما من جهة السياسة و صراعاتها.
لا يمكن لأحد أن ينفي ما قدمته الحضارة الإسلامية للعالم من إبداع له بصمته المعلومة و غير المعلومة بين الأمم. لكن تغليب منطق السلطة على منطق السياسة الحقيقية التي يؤسس لها النص القرآني و يقعد لها عمل النبي الكريم من خلال مبادئ أولى ، لم يسمح للفكر السياسي في الإسلام أن يؤسس لدولة المؤسسات حيث يشتغل الناس و يتداولون و يدبرون شؤونهم في إطار المؤسسات و القانون المحتكم لمبادئ الإسلام في كونيته.
يؤدي منطق " أنا في الجنة و غيري في النار" إلى نشأة بنية انقسامية داخل المجتمع الإسلامي، و هي البنية التي تتأكد بعوامل التعصب القبلي و مصادرة الحق في الاختلاف. و لربما تكون هذه البنية المستمرة بيننا اليوم سبب الافتراق بين الشيعة و السنة، و تعدد التسميات الحركية في " الإسلام السياسي".
و الحال أن القرآن الكريم يميز بين ثلاثة مقامات للإنسان. مقام الإسلام، و هو الانقياد للمشيئة الإلهية في الحدود و الأحكام، و في استعمال العقل و التفكر في الكون لمعرفة الله على الحقيقة، و مقام الإيمان، و هو التصديق السليم بوحدانية الله و ما يترتب عنها من عقائد، و مقام الإحسان، و هو الارتقاء بالسلوك و الفكر إلى مراتب الخير كما تقتضيه الحكمة الإلهية. بمعنى أن الإسلام يؤسس للشخص و الإنسان مستويات الكمال التي يسمو بها من مرتبة الكائن إلى المراتب و المقامات التي تنسجم مع حقيقته و مقتضى الإرادة الإلهية. و هذا دليل على سفه التصنيفات الإيديولوجية بل و عدم نضجها.
ما مآل الافتراق في الإيديولوجيا الدينية في حاضر المسلمين اليوم؟
افترق المسلمون فرقا كثيرة. كل فرقة تدعي أنها المقصودة بالفرقة الناجية، رغم أن الحديث الذي يشرع للافتراق موضوع خلاف بين المؤرخين حول نسبته إلى الرسول الكريم. و لأن الافتراق حاصل يحق لنا أن نتساءل. لماذا استطاعت الإيديولوجيا الشيعية أن تكون دولة واحدة، قوية و مؤثرة بينما واقع الإيديولوجيا السنية افتراق بين دول وأنظمة استبدادية، توظف الدين ليشرع للتسلط، و الرسول الكريم، كما أشرنا، لم يوصي بنظام حكم أو شريعة استبداد؟
يعتقد الكثيرون أن إيران ليست دولة إسلامية، لسببين، أنها تتبنى المذهب الشيعي، و أنها استمرار لدولة الفرس.
و في الحقيقة أن هذه الدعوى متناقضة متنا و شكلا. الفيصل بين المسلم و الكافر هو شهادة أن الله واحد لا شريك له. و كونها فارسية لكن مسلمة، فيه إغناء للإسلام و ارتباط بذاكرة الدولة الفارسية العظيمة. في الوقت الذي انقطع فيه الوصل، عند السنة، بين دولة الرسول، و دولة بني أمية، و بني العباس، و المرابطين، و الموجدين...الذين غالبوا غيرهم بنخوة و عظمة، في الفكر و القوة العسكرية أيضا. و أصبحت دول الإيديولوجيا السنية، بيادق في يد أمريكا و من في فلكها.
إن السؤال الذي يطرح على المسلمين اليوم، و على السنة خاصة، هو لماذا هذا الانقطاع مع التاريخ في عظمته، و التأكيد على ما يفرق شتات الأمة و يبقي تخلفها؟ ما دور القبيلة؟ و السلطة؟ و الغنيمة؟
صحيح أن الفرقتين يختلفان في أمور كثيرة، لكن اختلافها يمكن أن يفض بالحوار و البرهان و المجادلة الحسنة. إن العنف هو نقيض الحقيقة و ليس الخطأ. كما يقول إريك فايل. و الحقيقة لا توجد في الماضي بل في المستقبل.
لن يستطيع أحد الفصل بين الفرق في الإسلام دون استبدال مبدأ الأحقية بمبدأ الحقيقة,